لا تغتر يا عبد الله بعفو الله
فترتكب المحرمات وتترك الواجبات
قال ابن قيم
الجوزية في الداء والدواء (28-35)
:"كَثِيرٌ
مِنَ الْجُهَّالِ اعْتَمَدُوا عَلَى رَحْمَةِ اللَّهِ وَعَفْوِهِ وَكَرَمِهِ، وَضَيَّعُوا
أَمْرَهُ وَنَهْيَهُ، وَنَسُوا أَنَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ، وَأَنَّهُ لَا يُرَدُّ
بِأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ، وَمَنِ اعْتَمَدَ عَلَى الْعَفْوِ مَعَ الْإِصْرَارِ عَلَى
الذَّنْبِ فَهُوَ كَالْمُعَانِدِ. ...
وَقَدْ ثَبَتَ
فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ حَدِيثِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ يَقُولُ :"يُجَاءُ بِالرَّجُلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُلْقَى فِي النَّارِ، فَتَنْدَلِقُ أَقْتَابُ بَطْنِهِ فَيَدُورُ
فِي النَّارِ كَمَا يَدُورُ الْحِمَارُ بِرَحَاهُ، فَيَطُوفُ بِهِ أَهْلُ النَّارِ،
فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ: مَا أَصَابَكَ؟ أَلَمْ تَكُنْ تَأْمُرُنَا بِالْمَعْرُوفِ
وَتَنْهَانَا عَنِ الْمُنْكَرِ؟ فَيَقُولُ كُنْتُ آمُرُكُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا آتِيهِ،
وَأَنْهَاكُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَآتِيهِ". ...
وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ :"يُؤْتَى بِأَنْعَمِ أَهْلِ الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ النَّارِ،
فَيُصْبَغُ فِي النَّارِ صَبْغَةً، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ
خَيْرًا قَطُّ؟ هَلْ مَرَّ بِكَ نَعِيمٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ،
وَيُؤْتَى بِأَشَدِّ النَّاسِ بُؤْسًا فِي الدُّنْيَا مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيُصْبَغُ
فِي الْجَنَّةِ صَبْغَةً، فَيُقَالُ لَهُ: يَا ابْنَ آدَمَ هَلْ رَأَيْتَ بُؤْسًا قَطُّ؟
هَلْ مَرَّ بِكَ شِدَّةٌ قَطُّ؟ فَيَقُولُ: لَا وَاللَّهِ يَا رَبِّ، مَا مَرَّ بِي
بُؤْسٌ قَطُّ، وَلَا رَأَيْتُ شِدَّةً قَطُّ". ...
وَالْأَحَادِيثُ
فِي هَذَا الْبَابِ أَضْعَافُ أَضْعَافِ مَا ذَكَرْنَا، فَلَا يَنْبَغِي لِمَنْ نَصَحَ
نَفْسَهُ أَنْ يَتَعَامَى عَنْهَا، وَيُرْسِلَ نَفْسَهُ فِي الْمَعَاصِي، وَيَتَعَلَّقَ
بِحُسْنِ الرَّجَاءِ وَحُسْنِ الظَّنِّ. ...
وَرُبَّمَا اتَّكَلَ بَعْضُ الْمُغْتَرِّينَ
عَلَى مَا يَرَى مِنْ نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا وَأَنَّهُ لَا يُغَيِّرُ
مَا بِهِ، وَيَظُنُّ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُ، وَأَنَّهُ يُعْطِيهِ
فِي الْآخِرَةِ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ، فَهَذَا مِنَ الْغُرُورِ.
...
وَقَدْ رَدَّ سُبْحَانَهُ
عَلَى مَنْ يَظُنُّ هَذَا الظَّنَّ بِقَوْلِهِ: âفَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا
مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِي - وَأَمَّا
إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِي - كَلَّاá أَيْ لَيْسَ كُلُّ مَنْ نَعَّمْتُهُ
وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ أَكُونُ قَدْ أَكْرَمْتُهُ، وَلَيْسَ كُلُّ مَنِ ابْتَلَيْتُهُ
وَضَيَّقْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ أَكُونُ قَدْ أَهَنْتُهُ، بَلْ أَبْتَلِي هَذَا بِالنِّعَمِ،
وَأُكْرِمُ هَذَا بِالِابْتِلَاءِ.
وَقَالَ بَعْضُ
السَّلَفِ:
-
رُبَّ مُسْتَدْرَجٍ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ
وَهُوَ لَا يَعْلَمُ.
-
وَرُبَّ مَغْرُورٍ بِسَتْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ
وَهُوَ لَا يَعْلَمُ.
-
وَرُبَّ مَفْتُونٍ بِثَنَاءِ النَّاسِ
عَلَيْهِ وَهُوَ لَا يَعْلَمُ".
إعداد
:
أد
. أحمد بن عمر بن سالم بازمول
الاثنين
3 جمادى الآخرة 1447هجري