محاضرة
رمضان شهر الغفران
للشيخ. د. أحمد بن عمر سالم بازمول حفظه الله
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله r .
ألا وإن أصدق الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار .
أما بعد :
فهذه محاضرة بعنوان (( رمضان شهر الغفران))، أحببت أن أتحف إخواننا الكرام وأخواتنا الكريمات : بهذه الكلمات التي أرجو من الله أن يكتب لي ولكم فيها الأجر والثواب، وأن يجعلنا ممن يستمع القول فيتبع أحسنه .
والمحاضرة تدور على العناصر التالية :
- تعريف الصوم وأنواعه .
- حكم الصوم .
- خطورة الفطر بلا عذر شرعي .
- التدرج في تشريع الصيام وتاريخ تشريعه.
- على من يجب الصيام.
- ما شروط صحة الصيام.
- الأمور التي تفطر الصائم
- الأمور التي تباح للصائم .
- تعلم أحكام الصيام
- استشعار فضل هذا الشهر
- حفظ الجوارح في الصيام
- استغلال نهار رمضان في العبادة والطاعة
- استغلال شهر رمضان للتوبة
- استقبال هلال الشهر
- جملة من أحكام المتعلقة بالصيام .
- جملة من الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين
تعريف الصوم وأنواعـــه
الصوم في اللغة : الإمساك والركود.
وفي الشرع: هو الإمساك بنية عن الأكل والشرب والشهوة من تبين طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
والمراد بالشهوة الجماع وخروج المني.
لقوله عليه الصلاة والسلام في الحديث القدسي:يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي.
ولقوله تعالى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ}.
أنواع الصيام : الصوم ينقسم إلى قسمين :
صوم واجب وصوم غير واجب.
والصوم الواجب إما أن يوجبه الله ابتداء على العبد، وإما أن يكون العبد سبباً في إيجابه على نفسه .
فالصوم الذي أوجبه الله : هو صوم رمصان .
والصوم الذي يكون العبد سبباً في إيجابه أنواع: مثل صوم النذر وصوم الكفارات وصوم البدل في الحج وصوم الفدية في الحج وصوم جزاء الصيد .
والصوم غير الواجب : فهو كل صوم استحب الشارع فعله.
من ذلك : صوم يوم الاثنين والخميس وصوم الأيام البيض وصوم ثلاثة أيام من كل شهر وصوم عاشوراء وصوم يوم عرفة وصوم داود إلى غير ذلك.
حكم الصوم
صيام رمضان ركن من أركان الإسلام فيجب على كل مسلم ومسلمة صيام شهر رمضان بشروطه التي سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى . لحديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r :بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَحَجِّ الْبَيْتِ وَصَوْمِ رَمَضَانَ متفق عليه.
الفطر بلا عذر شرعي
من المصائب التي قد يبتلى بها بعض المسلمين الفطر في نهار رمضان من غير عذر شرعي ولا شك أنه أمر محرم وذنب عظيم فقد روى أبو أمامة الباهلي قال سمعت رسول اللهr يقول :« بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان ، فأخذا بضبعي، فأتيا بي جبلاً وعراً، ... إلى أن قال : ثم انطلق بي ، فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم، تسيل أشداقهم دماً قال : قلت : من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم.
وقوله (تحلة صومهم) أي يفطرون قبل وقت الإفطار.
فإذا كان من أمسك نهار رمضان ثم أفطر قبل موعد الفطر توعد بهذا العذاب فقل لي بربك كيف يكون عذاب وعقاب من أفطر كل اليوم ومن لم ينوِ الصوم أصلاً فيا ويل من أفطر في رمضان بلا عذر شرعي .
التدرج في تشريع الصيام وتاريخ تشريعه
شرع فرض صيام شهر رمصان في السنة الثانية من الهجرة، ومات نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام وقد صام تسعة رمضانات .
وقد مرًًَت مشروعية بثلاثة مراحل ذكرها معاذ بن جبل رضي الله عنه فقد أخرج أبو داود في السنن وأحمد في المسند عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أنه قَالَ : أُحِيلَ الصِّيَامُ ثَلَاثَةَ أَحْوَالٍ : فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَصُومُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى { كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِلَى قَوْلِهِ طَعَامُ مِسْكِينٍ }فَمَنْ شَاءَ أَنْ يَصُومَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ كُلَّ يَوْمٍ مِسْكِينًا أَجْزَأَهُ ذَلِكَ وَهَذَا حَوْلٌ
فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى{ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ إِلَى أَيَّامٍ أُخَرَ }فَثَبَتَ الصِّيَامُ عَلَى مَنْ شَهِدَ الشَّهْرَ وَعَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَقْضِيَ وَثَبَتَ الطَّعَامُ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْعَجُوزِ اللَّذَيْنِ لَا يَسْتَطِيعَانِ الصَّوْمَ وَجَاءَ صِرْمَةُ وَقَدْ عَمِلَ يَوْمَهُ .....
وهي كالتالي :
1- صيام ثلاثة أيام من كل شهر وصوم عاشوراء .
2- صيام رمضان على التخيير من شاء صام ومن شاء أفطر وأطعم عن كل يوم مسكيناً .
3- ثبوت صيام رمضان على من شهد الشهر دون تخيير وعلى المسافر أن يقضي إن أفطر وثبت الإطعام في حق الشيخ الكبير والعجوز اللذين لا يستطيعان الصوم .
على من يجب الصيام
يجب الصوم على كل مسلم بالغ عاقل صحيح مقيم خال عن الموانع.
فخرج بالمسلم : الكافر فلا يصح منه الصوم .
وخرج بالبالغ : الصغير الذي لم يبلغ .
وخرج بالعاقل : المجنون .
لحديث عائشة رضي الله عنها ، عن النبي r قال : « رفع القلم عن ثلاثة : عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يكبر وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق »
أخرجه أحمد في المسند وابن الجارود في المنتقى وأبو داود في السنن .
وخرج بالصحيح : المريض .
وخرج بالمقيم : المسافر .
فالمسافر والمريض لا يجب عليهما الصيام فلو أفطرا يقضيان ولو صاما صح صيامهما .
وخرج بخال من الموانع : الحائض والنفساء فإنه يجب عليهما الفطر ويقضيان يوماً مكانه .
وكذا المرضع أو الحامل لو خافتا على نفسيهما أو ولدهما فلهما الفطر .
ما شروط صحة الصيام
يشترط في صحة الصوم ما يلي :
1- الإسلام : فلا يصح من كافر .
2- العقل : فلا يصح من مجنون .
3- النية : فلا يصح الصوم دون نية مبيتة .
4- الخلو من المانع : فلا يصح من الحائض والنفساء .
5- استيعاب الوقت من تبين الفجر إلى غروب الشمس .
الأمور التي تبطل الصيام
هناك جملة من الأمور تبطل الصيام :
1- الأكل والشرب متعمداً .
2- تعمد القيء .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ :مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ.
فمن خرج منه القيء بلا فعل منه فيتم صومه .
وأما من أدخل شيئاً في حلقه أو شم رائحة لكي يستفرغ فهذا قد أفطر وعليه قضاء يوم مكانه.
3- الحيض والنفاس .
4- الجماع وخروج المني بشهوة .
5- الحقن المغذية.
ما يباح للصائم فعله
1- السواك : فمن الأمور المستحبة للصائم استعمال السواك في نهار رمضان من أوله إلى آخره لأن النبي علم أمته ما يستحب لهم في الصيام وما يكره لهم ولم يجعل السواك من القسم المكروه وهو يعلم أنهم يفعلونه وقد حضهم عليه عند كل صلاة ومع الوضوء وأخبرهr أن السواك مطهرة للفم مرضاة للرب وكان عمر يكثر من السواك وهو صائم وكان ابن عمر: يستاك أول النهار وآخره ولا يبلع ريقه.
2- المضمضة والاستنشاق دون المبالغة في الاستنشاق فعن لَقِيطِ بْنِ صَبِرَةَ عن رَسُول اللَّهِ أنه قال له : بَالِغْ فِي الِاسْتِنْشَاقِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ صَائِمًا.
3- ذوق الطعام : فعن ابن عباس قال: لا بأس أن يذوق الخل أو الشئ ما لم يدخل حلقه وهو صائم.
4- أن يصبح جنباً من أهله فعن عَائِشَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يُدْرِكُهُ الْفَجْرُ وَهُوَ جُنُبٌ مِنْ أَهْلِهِ ثُمَّ يَغْتَسِلُ وَيَصُوم.
5- الكحل والقطرة ونحوهما مما يدخل العين . وَلَمْ يَرَ أَنَسٌ وَالْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ بِالْكُحْلِ لِلصَّائِمِ بَأْسًا
6- صب الماء البارد على الرأس والاغتسال: كان النبي r يصب الماء على رأسه وهو صائم من العطش أو من الحر، وَبَلَّ ابْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ثَوْبًا فَأَلْقَاهُ عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ وَقَالَ الْحَسَنُ لَا بَأْسَ بِالْمَضْمَضَةِ وَالتَّبَرُّدِ لِلصَّائِمِ.
7- تحليل الدم وضرب الإبر غير المغذية .
تعلم أحكام الصيام
من الأمور التي ينبغي مراعاتها والاهتمام بها لكل مسلم يدخل عليه شهر رمضان أن يهتم بتعلم أحكام هذا الشهر وما يتعلق به من آداب وسنن والأمور التي يجب على الصائم تجنبها كالمفطرات والغيبة والنميمة وغير ذلك.
فيخشى على من صام على غير بصيرة وعلم أن يقع في أمر يخالف صيامه وهو لا يشعر بسبب جهله بأحكام الصيام وما يتعلق به ولذلك قال r:رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش
وهذا حديث عظيم يغفل عنه كثير من الصائمين . هذا الحديث يبين أن بعض الصائمين قد يكون نصيبه من الصيام الجوع والعطش أي لم يحصل له الأجر . فيكون عطش وجوع نفسه فقط ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
والسؤال هنا لماذا يكون حظه ونصيبه من صومه الجوع والعطش فقط ؟
والجواب عن هذا السؤال هو لأنه خالف أحكام الصيام ووقع فيما يناقضه فتراه يفطر على حرام أو من يفطر على لحوم الناس بالغيبة أو من لا يحفظ جوارحه عن الآثام
وللأسف الشديد هذا الخطأ الكبير والظاهرة الخطيرة من عدم تعلم أحكام الصيام ليست فقط في رمضان بل هي في كل أحكام الدين في الطهارة والصلاة والزكاة والحج والنكاح والطلاق فتجد كثيراً من الناس يجهلون أحكام دينهم فيخالفونها بدون علم ولو أنهم تعلموها لم يخالفوها.
والعجب أننا نرى هؤلاء إذا أراد أحدهم أن يشتري شيئاً من متاع الدنيا الزائل نجده يسأل عنه وعن كيفية استعماله وعن ما يحتاج إلى صيانة ولا يقبل قول أي أحد بل لا بد أن يكون خبيراً مجرباً عندها يطمئن ويرضى قبل أن يشتريه. أما في أمور دينه وأحكامه التي يحتاج إليها فنجده يعمل بلا بصيرة ولا علم ويعمل كما يعمل عامة الناس!
والله عز وجل أمرنا أن نسأل أهل العلم إذا جهلنا الحكم فقال تعالى{فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} وأهل الذكر هم أهل العلم فالله أمرنا أن نسأل أهل العلم ولم يأمرنا أن ننظر إلى ما يفعله عامة الناس.
وقال r :إنما شفاء العي السؤال
وقال r :طلب العلم فريضة على كل مسلم
وهذا حديث عظيم يدل على وجوب تعلم أمور الدين فيما يلزم المسلم في خاصة نفسه.
ويدل على أن الذي لا يتعلم أمور دينه التي يحتاج إليها أنه آثم.
وعامة الناس مثله في عدم العلم إلا ما رحم الله ولذلك جهل كثير من الناس أحكام دينهم فطرأ وحصل التغير وقد لاحظ هذا التغير الصحابي الجليل أبوالدرداء رضي الله عنه لاحظ التغيير والنقص في الصلاة وهي تؤدى خمس مرات في اليوم والليلة كما روت ذلك أم الدرداء حيث قالت دخل علي أبو الدرداء وهو مغضب فقلت ما أغضبك ؟ فقال : والله ما أعرف من أمة محمد r شيئاً إلا أنهم يصلون جميعاً.
ولعلك تقول كيف أتعلم أحكام الصيام ؟
فالجواب : هو أنك يمكنك أن تتعلم أحكام الصيام عن عدة طرق:
الطريقة الأولى: هي أن تجلس في حلق العلم فتسمع وتتعلم وتعمل.
الطريقة الثانية: هي عن طريق سؤال أهل العلم عن ما تحتاج إليه من أحكام الصيام.
الطريقة الثالثة:عن طريق الاستماع لأشرطة أهل العلم كأمثال الشيخ ابن باز وابن عثيمين والألباني والنجمي رحمهم الله والشيخ ربيع المدخلي وعبدالعزيز آل الشيخ والفوزان حفظهم الله التي تتكلم عن الصيام وأحكامه وهي متوفرة ـ بحمد الله ـ .
الطريقة الرابعة: عن طريق قراءة الكتب التي بينت وتكلمت عن أحكام الصيام.
لكن احرص أخي المستمع على أخذ العلم من أهله الموثوق بهم.
استشعار فضل هذا الشهر
إن استشعار الصائم أهمية هذا الشهر له أثر فعال في صيامه وقيامه فلا يفرط فيه ولا يلهو عنه بل يشتغل ليله ونهاره في طاعة الله ومرضاته لأنه موسم عظيم جعل الله فيها من الخيرات والرحمات ما الله به عليم.
وعدم استشعار الصائم نعمة الله ومنته عليه بإبلاغه هذا الشهر العظيم يجعله يستثقل دخول شهر رمضان ويتضايق منه ويفرح بخروجه والبعض الآخر يدخل عليه رمضان وكأنه لا مكانة له ولا قيمة في نفسه فلا يغتنم أوقاته في الطاعات بل وقته في المباحات إن لم يكن في المحرمات.
وهذا الشعور الميت يحرم صاحبه لذة العبادة والنشاط فيها والإكثار منها.
وكيف يغفل المؤمن عن هذا الشهر الكريم وكيف يضيع هذه الفرصة العظيمة ولعل السبب في ذلك هو عدم علمه بما جاء في بيان فضله وخصائصه:
ففي هذا الشهر تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتسلسل وتصفد الشياطين
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين.
وأجر صيامه عظيم عند الله فهو إليه ورائحة الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من رائحة المسك فعن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَسْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي الصِّيَامُ لِي وَلِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ بِفِطْرِهِ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ متفق عليه.
شهر ينادي فيه الملك يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر وفي كل ليلة لله عتقاء من النار فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r إِذَا كَانَ أَوَّلُ لَيْلَةٍ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ وَمَرَدَةُ الْجِنِّ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ فَلَمْ يُفْتَحْ مِنْهَا بَابٌ وَفُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ فَلَمْ يُغْلَقْ مِنْهَا بَابٌ وَيُنَادِي مُنَادٍ يَا بَاغِيَ الْخَيْرِ أَقْبِلْ وَيَا بَاغِيَ الشَّرِّ أَقْصِرْ وَلِلَّهِ عُتَقَاءُ مِنْ النَّارِ وَذَلكَ كُلُّ لَيْلَةٍ أخرجه البخاري ومسلم مختصراً واللفظ للترمذي.
ويغفر فيه لمن صامه وقامه إيماناً واحتساباً ما تقدم من ذنبه. فعن أبي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِr قَالَ: مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ متفق عليه .
والصيام وقاية من النار فعَنْ أَبِي هريرة عن النَّبِيِّ r قَالَ الصِّيَامُ جُنَّةٌ وَحِصْنٌ حَصِينٌ مِنْ النَّارِ.
وعن عثمان سمعت رسول الله r يقول الصيام جنة من النار كجنة أحدكم من القتال
وفي هذا الشهر ليلة خيرمن ألف شهر والمحروم من حرم خيرها فعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r أَتَاكُمْ رَمَضَانُ شَهْرٌ مُبَارَكٌ فَرَضَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ صِيَامَهُ فِيهِ لَيْلَةٌ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ مَنْ حُرِمَ خَيْرَهَا فَقَدْ حرِمَ [الخير كله ولا يحرم خيرها إلا محروم] أخرجه النسائي والحاكم .
رمضان من مكفرات الذنوب: فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَقُولُ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ رواه مسلم .
والدعاء فيه مواطن الإجابة فعن أبي سعيد الخدري قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : إِنَّ لِلَّهِ عُتَقَاءَ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ لِكُلِّ عَبْدٍ مِنْهُمْ دَعْوَةٌ مُسْتَجَابَةٌ رواه البزار.
فهذه بعض الخصائص التي اختص بها شهر رمضان وهي دالة على فضله وأهميته ومكانته في الإسلام لذلك كان من هديه r في شهر رمضان الإكثار من أنواع العبادات وكان يخص رمضان من العبادة بما لا يخص غيره به من الشهور .
ولعل هؤلاء الذين لا يعلمون أهمية شهر رمضان يجهلون أيضاً المقصود من الصيام والمصالح التي فيه؟
المقصود من الصيام :
1- حبس النفس عن الشهوات وفطامها عن المألوفات.
2- تعديل قوتها الشهوانية لتستعد لطلب ما فيه غاية سعادتها ونعيمها وقبول ما تزكو به مما فيه حياتها الأبدية ويكسر الجوع والظمأ من حدتها وسورتها ويذكرها بحال الأكباد الجائعة من المساكين .
3- وتضيق مجاري الشيطان من العبد بتضييق مجاري الطعام والشراب وتحبس قوى الأعضاء عن استرسالها لحكم الطبيعة فيما يضرها في معاشها ومعادها ويسكن كل عضو منها وكل قوة عن جماعه وتلجم بلجامة فهو لجام المتقين وجنة المحاربين
حفظ الجوارح في الصيام
الصائم مطلوب منه حفظ جوارحه يده ورجله وعينه ولسانه وأذنه عن المحرمات وليس فقط يصوم عن الطعام والشراب فالصائم يتقرب إلى الله بترك الطعام والشراب وهما مباحان في غير الصوم فكيف لا يتقرب إلى الله بترك ما هو محرم في حال الصوم وغيره من سب وكذب وغيبة ونحوها الآثام التي قد تقطع ثوابه وتفسد ثمرته فتصيره بمنزلة من لم يصم لهذا قال النبي r : ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث.
وقال رسول الله r إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يجهل وإن جهل عليه أحد فليقل إني امرؤ صائم
وقال رسول الله r :من لم يدع قول الزور والجهل والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه.
وقال رسول الله r : رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر
وقال بعض السلف : أهون الصيام ترك الشراب والطعام .
وقال جابر : إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صومك ، ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء .
استغلال نهار رمضان في العبادة والطاعة
ليحرص الصائم على استغلال نهار رمضان فهو وقت عظيم ولا يضيعه بالنوم لا سيما وشهر رمضان زمن شريف ينبغي أن يستفيد منه المسلم فيما ينفعه من الأجر والثواب .
وينبغي للصائم أن يصون نفسه عن اللهو واللعب وأن يتقرب إلى الله بفعل أوامره واجتناب مناهيه ويجتنب كل ما من شأنه أن يبعده عن الله وعن عبادته سواء كان غاية أو وسيلة
ولا ينبغي له أن يضيع نهاره بالنوم والمشكلة تظهر إن فاتته الصلاة في أوقاتها جماعة فيكون فوت عليه نفسه أمرين : الصلاة لوقتها ، وأدائها في جماعة .
ومن المؤسف جداً أن كثيراً من الناس اعتادوا السهر في رمضان فإذا أقبل الفجر تسحروا وناموا جميع النهار أو معظمه وتركوا الصلوات مع أن الصلوات آكد من الصيام وألزم والأمر خطير جداً.
ومن الناس من ينام نهار رمضان كله ولكنه يقوم ويصلي الصلاة المفروضة في وقتها ومع الجماعة فهذا ليس بآثم لكنه فوت على نفسه خيراً كثيراً لأنه ينبغي للصائم أن يشتغل بالصلاة والذكر والدعاء وقراءة القران حتى يجمع في صيامه عبادات شتى.
والإنسان إذا عود نفسه ومرنها على أعمال العبادة في حال الصيام سهل عليه ذلك وإذا عود نفسه الكسل والخمول والراحة صار لا يألف إلا ذلك وصعبت عليه العبادات والأعمال حال الصيام.
استغلال شهر رمضان للتوبة
إن الواجب على المسلم أن يستغل هذا الشهر الذي تسلسل فيه الشياطين في التوبة والرجوع إلى الله والإقلاع عن المحرمات والمعاصي؛ ((فبلوغ شهر رمضان وصيامه نعمة عظيمة على من أقدره الله عليه كم ممن أمل أن يصوم هذا الشهر فخانه أمله فصار قبله إلى ظلمة القبر ، كم من مستقبل يوماً لا يستكمله ، ومؤمل غداً لا يدركه .
من رحم في رمضان فهو المرحوم ، ومن حرم خيره فهو المحروم ، ومن لم يتزود لمعاده فيه فهو ملوم .
فمن أراد الله به خيراً حبب إليه الإيمان وزينه في قلبه وكره إليه الكفر والفسوق والعصيان فصار من الراشدين ، ومن أراد به شر خلى بينه وبين نفسه فاتبعه الشيطان فحبب إليه الكفر والفسوق والعصيان فكان من الغاوين .
فالحذر الحذر من المعاصي فكم سلبت من نعم ، وكم جلبت من نقم ، وكم خربت من ديار ، وكم أخلت دياراً من أهلها فما بقي منهم ديار ،كم أخذت من العصاة بالثار ، كم محت لهم من آثار)) .
وللأسف الشديد قد يقع بعض المسلمين في الازدياد من المعاصي والمحرمات وكأن شياطينهم لم تسلسل وأخشى أن يدخلوا تحت قول جبريل عليه السلام للنبي r لما صعد rالمنبر فلما رقي عتبة قال آمين ثم رقي عتبة أخرى فقال آمين ثم رقي عتبة ثالثة فقال آمين ثم قال أتاني جبريل فقال يا محمد من أدرك رمضان فلم يغفرله فأبعده الله قلت آمين قال ومن أدرك والديه أو أحدهما فدخل النار فأبعده الله قلت آمين فقال ومن ذكرت عنده فلم يصل عليك فأبعده الله قل آمين فقلت آمين وقوله r : رب صائم ليس له من صيامه إلا الجوع والعطش ورب قائم ليس له من قيامه إلا السهر
ومتى يتوب من لم يتب في رمضان ومتى يعود إلى الله من لم يعد في رمضان.
والتوبة تعني ((صلاح الحال من الإقلاع عن الذنب وصلاح الماضي من الندم على فعل الذنب وصلاح المآل من العزم على عدم العودة إلى الذنب ومن تاب من الذنب كمن لا ذنب له والله يتوب على من تاب)).
استقبال هلال الشهر
السنة الثابتة عنه صلى عليه وسلم أنه كان إذا رأى الهلال قال:اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله.
ومن الأخطاء ما يفعله بعض الناس من رفع الأيدي إلى الهلال عند رؤيته يستقبلونه بالدعاء قائلين : هل هلالك جل جلالك شهر مبارك ثم يمسحون وجوههم.
فهذا الفعل بدعة لم يفعلها النبي r وأصحابه السلف الصالح.
صوم منتصف شعبا ن وصوم يوم الشك
إذا انتصف شهر شعبان قد يبدأ بعض الناس بالصيام وهو لم يتعود على الصيام لأن رسول الله r قال:إذا كان النصف من شعبان فلا صوم حتى يجيء رمضان .
وفي لفظ:إذا انتصف شعبان فلا تصوموا.
و كذا لا يجوز أن يصوم قبل رمضان بيوم وهو يوم الشك أو يصوم قبل رمضان بيومين
ويوم الشك هو اليوم الثلاثون من شعبان لاحتمال أن يكون من رمضان.
والدليل على ذلك قوله r : لا يتقدمنَّ أحدكم رمضان بصوم يوم أو يومين إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم ذلك اليوم
ومن الأدلة ما رواه صلة قال كنا عند عمار في اليوم الذي يشك فيه فأتي بشاة فتنحى بعض القوم فقال عمار: من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم r
أما من كان معتاداً الصيام من قبل منتصف شعبان كأن كان يداوم على صيام الاثنين والخميس أو صيام يوم وإفطار يوم أو صيام ثلاثة أيام من كل شهر فله أن يصوم بعد منتصف شعبان كما دل عليه قوله r:إلا أن يكون رجل كان يصوم صومه فليصم صومه.
والعلة في تحريم صوم هذين اليومين لئلا يتخذ ذريعة إلى أن يلحق بالفرض ما ليس منه وما فيه من الطعن في رؤية الهلال لأن الرسول r علق الصوم بالرؤية.
فمن صام يوم الشك قبل رؤية الهلال فوافق صومه ذلك اليوم أول دخول رمضان فلا يجزئه لكونه لم يبن صومه على أساس شرعي ولأنه يوم شك وقد دلت السنة الصحيحة على تحريم صومه وعليه قضاؤه وهذا قول أكثر أهل العلم
ومن صام يوم الشك بنية صوم رمضان فقد وافق الرافضة ووقع في البدعة.
تبييت النية بالصيام من الليل
قال رسول الله r يقول: من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له .
وقال r : من لم يبيت الصيام من الليل فلا صيام له.
فدل هذان الحديثان على وجوب تبييت نية الصيام قبل طلوع الفجر وأن من لم يبيتها فلا يصح منه الصيام .
قال الميموني قلت لأحمد بن حنبل:نحن نحتاج في رمضان أن نبيت الصيام من الليل؟
فقال الإمام أحمد: إي والله.اهـ رحمه الله .
وتحصل النية بعزم القلب على الصيام غداً وكذا بالاستعداد بالسحور مثلاً
و أما الجهر بنية الصيام كأن يقول نويت أن أصوم شهر رمضان أو نويت أن أصوم غداً السبت لله فهو بدعة مخالفة لهدي النبي r وأصحابه فلا يجوز الجهر بالنية في الصيام بل لايجوز الجهر بالنية في جميع العبادات إذ النية محلها القلب والتلفظ بها بدعة.
البدء بالفطور وتعجيله
إذا غربت الشمس بدأ وقت الإفطار قال r: إذا أقبل الليل من ها هنا وأدبر النهار من ها هنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم.
والسنة تعجيل الفطر قال أنس بن مالك رضي الله عنه:كان r لا يصلي المغرب وهو صائم حتى يفطر ولو على شربة من ماء
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله r قال لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر.
وقال r: لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر لأن اليهود والنصارى يؤخرون
وقال عمرو بن ميمون : كان أصحاب محمد r أعجل الناس إفطاراً وأبطأهـم سحوراً
فيبدأ الصائم بالتسمية لقوله r :يا غلام سم الله.
ثم يفطر بالرطب أو التمر أو الماء فعن أنس رضي الله عنه قال: كان يفطر على رطبات قبل أن يصلي فإن لم يكن رطبات فعلى تمرات فإن لم يكن حسا حسوات من ماء .
فإذا افطر قال الذكر الوارد عند الفطور : ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله فقد كان رسول الله r إذا افطر قال: ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله .
قلت:وهذا هو الثابت عنه r.
أما ما يقوله بعضهم عند فطره: اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فتقبل منا إنك أنت السميع العليم فهذا جاء في حديث ضعيف جداً رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة وفي إسناده راوٍ متروك وقال ابن قيم الجوزية في هذا الحديث :لا يثبت اهـ رحمه الله.
وكذا قولهم : اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت فهذا جاء في حديث ضعيف لا يصح لإرساله رواه أبوداود وغيره.
وكذا قولهم : الحمدلله الذي أعانني فصمت ورزقني فأفطرت فهذا جاء في حديث ضعيف لا يصح رواه ابن السني في عمل اليوم والليلة
قيام رمضان
ومن الأمور التي ينبغي أن يحافظ عليها قيام رمضان فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ.
ووصفت عائشة قيام النبي r بقوله : مَا كَانَ يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلَا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي أَرْبَعًا فَلَا تَسْأَلْ عَنْ حُسْنِهِنَّ وَطُولِهِنَّ ثُمَّ يُصَلِّي ثَلَاثًا.
تأخير السحور
والسنة تأخير السحور فعن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال تسحرنا مع النبي r ثم قام إلى الصلاة قلت كم كان بين الأذان والسحور قال قدر خمسين آية
وعن حذيفة قال تسحرت مع رسول الله r هو النهار إلا أن الشمس لم تطلع
فالسنة في السحور تأخيره لا تعجيله بعد العشاء مباشرة أو قبل الفجر بوقت طويل.
والسحور له فضل كبير فعن حديث أبي سعيد الخدري قال رسول الله r: السحور أكله بركة فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين.
ففي هذا الحديث : أن أكلة السحور فيها بركة وخير من الله بل سماه النبي r :بـالغداء المبارك وفيه : النهي عن ترك السحور . وفيه : أن السحور يحصل بجرعة من ماء وقد يحصل بالتمر كما قال النبي r قال نعم سحور المؤمن التمر وفيه الثناء على المتسحرين بصلاة الله وملائكته عليهم .
والبركة في السحور تحصل بجهات متعددة وهي أتباع السنة ومخالفة أهل الكتاب والتقوى به على العبادة والزيادة في النشاط ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام
ومن ترك السحور فقد شابه اليهود والنصارى لأنهم لا يتسحرون فعن عمرو بن العاص أن رسول الله r قال : فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر.
الاعتكاف
الاعتكاف بلزوم المسجد مدة من الزمان فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ.
ليلة القدر
من الأمور المرغب فيها شرعاً والمحثوث عليها تحري وطلب ليلة القدر وهي في أوتار العشر الأواخر من رمضان قال r عن رمضان : فيه ليلة هي خير من ألف شهر من حرم خيرها فقد حرم
وقال r : اطلبوا ليلة القدر في العشر الأواخر فإن غلبتم فلا تغلبوا في السبع البواقي.
ومن الأمور التي تفوت على المسلم أجراً كثيراً أنه لا يقول الدعاء المأثور الوارد في ليلة فعن عائشة رضي الله عنها قالت قلت يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها قال قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني
وقد بينت السنة الصحيحة أمارات تلك الليلة :
ا/ أنها في أوتار العشر الأواخر كما قال r : التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في وتر.
2/ أن الشمس تطلع في صبيحتها بلا شعاع ضعيفة حمراء حتى ترتفع ثم يأتي الشعاع بعد إرتفاعها فقد قال أبي بن كعب أن رسول الله r أخبرهم بأمرتها : فأمارتها أن تطلع الشمس في صبيحة يومها بيضاء لا شعاع لها كأنها طست حتى ترتفع.
وفي رواية بلفظ : تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء .
3/ أن الملائكة ليلتها أكثر من عدد الحصى قال r : ليلة القدر سابعة أو تاسعة وعشرين إن الملائكة تلك الليلة في الأرض أكثر من عدد الحصى .
4/ أن ليلتها مشرقة سمحة طلقة لا حارة ولا باردة ولا يرمى فيها بنجم قال r :ليلة القدر ليلة بلجة ـ أي مشرقة ـ لا حارة ولا باردة ولايرمى فيها بنجم ومن علامة يومها تطلع الشمس لا شعاع لها.
وقال r : ليلة القدر ليلة سمحة طلقة ـ أي سهلة طيبة ـ لا حارة ولا باردة تصبح الشمس صبيحتها ضعيفة حمراء
وليس من علاماتها ما يظنه بعض الناس أن ماء البحر يكون عذباً وظنهم أن الكلاب لا تصيح فيها وأن الحمير لا تنهق فيها وأن الأشجار تضع فروعها على الأرض وأن الواحد يرى النور فيها ساطعاً حتى في الأماكن المظلمة وأن الملائكة تسلم على أهل المساجد وأنهم يرون قناديل ومصابيح تنزل من السماء وأن السماء تتشقق.
تعليم الصغار الصيام
ومن الأمور التي ينبغي للآباء والأمهات مراعاتها تعويد أولادهم الصغار على الصيام إذا كان لا يضره.
فعن الربيع بنت معوذ قالت أرسل رسول الله r غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة من كان أصبح صائما فليتم صومه ومن كان أصبح مفطرا فليتم بقية يومه فكنا بعد ذلك نصومه ونصوم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللعبة من العهن فإذا بكى أحدهم على الطعام أعطيناهم إياه عند الإفطار
وفي لفظٍ : ونصنع لهم اللعبة من العهن فنذهب به معنا فإذا سألونا الطعام أعطيناهم اللعبة تلهيهم حتى يتموا صومهم
قال النووي رحمه الله: في هذا الحديث تمرين الصبيان على الطاعات وتعويدهم العبادات ولكنهم ليسوا مكلفين اهـ
أما إذا كان الصيام يضره فإنه يمنع من الصيام برفق ولين لا بقسوة.
ويزداد الأمر خطورة عندما يبلغ الصغير والصغيرة ويلزمهما أهلهما بترك الصلاة وبعدم الصيام في رمضان بحجة المشقة وأنه لا يطيق ذلك لصغره ونحو ذلك ولا شك أن هذا ناشيئ من جهلهم بدينهم إذ كيف يليق بأولياء أمورهم أن يلزموهم بترك الصلاة والصيام إذا بلغوا وهم قادرون على الصيام.
والواجب على ولي الصغير إذا بلغ أن يأمره بالصلاة والصيام
أما إذا كان البالغ الصغير لا يستطيع الصوم ويشق عليه واضطر للإفطار كالمريض أو الذي يخشى على نفسه التلف جاز له أن يفطر وعليه قضاء ما أفطر لأن البالغ مكلف وكذا البالغة مكلفة.
جملة من الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين
من الأخطاء ظن بعض الصائمين أنهم يظنون أن بلع الريق واللعاب لا يجوز وأنه يجب عليهم أن يتفلوه
ومن الأخطاء أن بعض الصائمين إذا توضأ لا يدخل الماء في أنفه خوفاً من دخوله في حلقه زعموا فتراه يكتفي بغسل مقدم أنفه فيخل في وضوئه
ومن الأخطاء ظن بعض الصائمين أن استعمال الطيب وشم الروائح الجميلة لا يجوز للصائم
من الخطأ ظن بعضهم أن الصائم ينبغي له أن يكون متقشفاً غير متنعم والصواب أن التنعم والترفه لا ينافي الصيام وهو من فعل السلف.
ومن الخطأ ظن بعضهم أن من احتلم أي خرج منه المني وهو نائم أن صومه فسد وأن عليه القضاء
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه يدخل في فمه شيئ يمضغه ويظن أنه لا يضر
فمن الأخطاء التي يقع فيها بعض الصائمين أنه إذا أكل وشرب وهو صائم في نهار رمضان ظن أن عليه القضاء أو تحرج من أكله وشربه وظن أنه ليس كمن لم يأكل ولم يشرب .
عود على بدء :
يمكننا أن نخلص هذه المحاضرة في النقاط التالية :
- تعلم أحكام صيام شهر رمضان من آداب وواجبات ومكروهات ومفطرات ومباحات.
- استشعار مكانته وفضله وما فيه من مواسم الخيرات .
- استغلال مواسم خيراته في الطاعات والقربات على سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
- عدم تفويته بالاشتغال بغيره .
- قراءة القرآن وتدبره وقيام لياليه .
وفي الختام : فهذه جمل من الأحكام الشرعية والآداب المرعية، ينبغي للمسلم المحافظة عليها؛ طلباً للثواب من الله ، اسأل الله أن يبلغني وإياكم هذا الشهر الكريم ويعيننا على صيامه وقيامه .
أخوكم المحب
د / أحمد بن عمر بن سالم بازمول
السبت
26/شـــعــبان /1436هـ
تنبيه :
كنت قد ألقيت هذه المحاضرة عبر إذاعة النهج الواضح يوم الخميس الموافق 24 شعبان 1436هجري .
وبهذه المناسبة أوجه شكري للقائمين على هذه الإذاعة السلفية الصافية النقية
وما يقدمونه من علم نافع ومنهج سلفي ناصع
فجزاهم الله خيراً .