سؤال
وجواب
حول
مشروعية الدعاء لولي الأمر
بـــ:
حفظه الله
إعداد
أد. أحمد بن عمر بن سالم بازمول
بسم الله
الرحمن الرحيم
الحمد لله،
والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد
فقد
سئلت هل يشرع الدعاء لولي الأمر بـ "حفظه الله" ؛ لأن بعض الناس يقول :"لا
يُقال: حفظه الله، وإنما يُقال في الدعاء لولي الأمر : هداه الله أو أصلحه الله"
؛ معللًا ذلك بما عليه حال كثير من الولاة في زماننا من تقصير وظلم ؟
الجواب :
نعم يشرع
الدعاء لولي الأمر بـ "حفظه الله"، ولا مانع شرعي من ذلك، فالحفظ يكون
في الأمور الدنيوية، والأمور الدينية.
فالداعي لولي
الأمر بـ "حفظه الله" يشمل حفظه في أمور دنياه وأمور دينه.
قال الحافظ
ابن رجب :"حِفْظُ اللَّهِ لِعَبْدِهِ يَدْخُلُ فِيهِ نَوْعَانِ :
أَحَدُهُمَا: حِفْظُهُ
لَهُ فِي مَصَالِحِ دُنْيَاهُ، كَحِفْظِهِ فِي بَدَنِهِ وَوَلَدِهِ وَأَهْلِهِ وَمَالِهِ
...
النَّوْعُ الثَّانِي
مِنَ الْحِفْظِ، وَهُوَ أَشْرَفُ النَّوْعَيْنِ: حِفْظُ اللَّهِ لِلْعَبْدِ فِي دِينِهِ
وَإِيمَانِهِ، فَيَحْفَظُهُ فِي حَيَاتِهِ مِنَ الشُّبُهَاتِ الْمُضِلَّةِ، وَمِنَ
الشَّهَوَاتِ الْمُحَرَّمَةِ، وَيَحْفَظُ عَلَيْهِ دِينَهُ عِنْدَ مَوْتِهِ، فَيَتَوَفَّاهُ
عَلَى الْإِيمَانِ"().
واعلم أن الدعاء
لولي الأمر من النصيحة، والنصيحة لولي الأمر من أهم أمور الدين فعَنْ تَمِيمٍ
الدَّارِيِّ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ r
قَالَ :"الدِّينُ النَّصِيحَةُ". قُلْنَا : لِمَنْ ؟ قَالَ ﷺ :"لِلَّهِ
وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ"().
وإنَّ
من لوازم النصيحـة لولي الأمر حبـه وطاعتـه والدعاء له قال الحافظ ابن رجب :
"النصيحة لأئمة المسلمين حب صلاحهم ورشدهم وعدلهم وحب اجتماع الأمة عليهم
وكراهة افتراق الأمة عليهم والتدين بطاعتهم في طاعة الله عز وجل والبغض لمن رأى
الخروج عليهم وحب إعزازهم في طاعة الله عز وجل"().
وقال
ابن باز :" من مقتضى البيعة النصح لولي الأمر ومن النصح الدعاء له بالتوفيق
والهداية وصلاح النية والعمل وصلاح البطانة"().
وقد
كان السلف يحرصون على الدعاء لولي الأمر ويحثون عليه يدعون له بالصلاح والخير قال
الفضيل بن عياض :"لو أن لي دعوة مستجابة ما صيرتها إلا في الإمام .
قيل :
وكيف ذلك يا أبا علي ؟
فقال
الفضيل : متى صيرتها في نفسي لم تجزني ، ومتى صيرتها في الإمام - يعني : عمَّت -
فصلاح الإمام صلاح العباد والبلاد ".
قيل :
وكيف ذلك يا أبا علي ؟
قال :
أما صلاح البلاد : فإذا أمن الناس ظلم الإمام ، عمروا الخراب ، ونزلوا الأرض .
وأما العباد : فينظر إلى قوم من أهل الجهل فيقول : قد شغلني طلب المعيشة عن طلب ما
ينفعهم ، من تعلم القرآن وغيره ، فيجمعهم في دار : خمسين خمسين ، أو أقل أو أكثر
يقول للرجل : لك ما يصلحك ، وعلم هؤلاء أمر دينهم ، وانظر ما أخرج الله من فيئهم
مما تزكى الأرض فرده عليهم .
قال :
فكذا صلاح العباد والبلاد"().
وقال البربهاري
:" أمرنا أن ندعو لهم بالصلاح ولم
نؤمر أن ندعو عليهم وإن ظلموا وجاروا ؛ لأن ظلمهم وجورهم على أنفسهم وصلاحهم
لأنفسهم وللمسلمين"().
وقال
الصابوني :"يرون الدعاء لهم بالإصلاح والتوفيق والصلاح وبسط العدل في الرعية"().
وقال
السعدي في الملوك :"كم لهم من الآثار الخيرية فحقهم عظيم على جميع الرعية ،
عليهم النصح لهم في كل ما يقدرون على نصحهم ، وإعانتهم على مهماتهم واعتقاد
ولايتهم ، وحثُّ الناس على لزوم طاعتهم وإرشادهم إلى كل خير وصلاح وتحذيرهم عن كل
شر وضرر في الدين والدنيا على وجه الرفق واللين والدعاء لله بصلاحهم فإن الدعاء
لهم دعاء للرعية كلها كما أن إرشادهم إلى مصلحة ومشروع خيري نافع شامل"().
وكأني بهذا
القائل يريد بمنعه الدعاء بـ"حفظه الله" حتى لا يطول عمر ولي الأمر !
وهذا دليل على جهله أو هواه وقد يكون متصفًا
بالأمرين.
فقد
بَيَّنَ النبي r أن ولي الأمر راعٍ لنا
وأننا رعيته، قال رَسُول اللَّهِ ﷺ :" كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ "().
وولي الأمر رجل بذل نفسه ووقته لرعاية مصالح أمته وتوفير سبل الراحـة
لهم ودفع المخاطر والسوء عنهم بإذن الله تعالى ؛ فتمني موت
ولي الأمر فيه سوء أدب معه، وفيه الإساءة لمن أحسن إليك.
قال
ابن قيم الجوزية : عوتب ابن عقيل في تقبيل
يد السلطان حين صافحه !
فقال
: أرأيتم لو كان والدي فعل ذلك فقبلت يده أكان خطأً أم واقعاً موقعه ؟
قالوا
: بلى .
قال :
فالأب يربي ولده تربية خاصة ، والسلطان يربي العالم تربية عامة فهو بالإكرام أولى"([10]).
ثم قول هذا
القائل :"لا يُقال: حفظه الله" ؛ فهو تحريم لا دليل عليه!
بل هو مخالف
لما ورد عن السلف من الدعاء لولي الأمر مطلقًا.
وقول هذا
القائل :"وإنما يُقال: هداه الله أو أصلحه الله" ؛ نعم يدعى لولي الأمر
بالخير والصلاح والهداية مع الدعاء له بالحفظ.
وهذا القول
تحكم بلا مستند شرعي.
وتعليل هذا
القائل لقوله بما عليه حال كثير من الولاة في زماننا من تقصير وظلم ؟
فيه اتهام
لولي الأمر بالتقصير، وفيه تعظيم جانب المعاصي، وعدم احترام ولي الأمر، فمَنْ أَجَلَّ وأكرم السلطان أكرمه الله
يوم القيامة ومن لم يجله أهانه الله يوم القيامة فعَنْ زِيَادِ بْنِ كُسَيْبٍ
الْعَدَوِيِّ قَالَ كُنْتُ مَعَ أَبِي بَكْرَةَ t تَحْتَ مِنْبَرِ ابْنِ
عَامِرٍ وَهُوَ يَخْطُبُ وَعَلَيْهِ ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَقَالَ أَبُو بِلَالٍ
:"انْظُرُوا إِلَى أَمِيرِنَا يَلْبَسُ ثِيَابَ الْفُسَّاقِ".
فَقَالَ أَبُو بَكْرَةَ اسْكُتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ
:"مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ"().
فتأمل
! كيف أن أبا بكرة t اعتبر الكلام في ولي
الأمر والقدح فيه من إهانتـه !!
وقد
علق الحافظ الذهبي على هذه القصة بقوله :"أبوبلال هذا خارجي ومن جهله عدَّ
ثياب الرجال الرقاق لباس الفساق"().
فالطعن في ولي
الأمر بسبب المعاصي هو من طريقة الخوارج، قال شيخ الإسلام ابن تيمية :"إن أهل
البدع شر من أهل المعاصي الشهوانية بالسنة والإجماع ؛ فإن النبي ﷺ أمر بقتال
الخوارج ونهى عن قتال أئمة الظلم() وقال في الذي يشرب الخمر :" لا
تلعنه فإنه يحب الله ورسوله"() وقال في ذي الخويصرة :"يخرج من
ضئضىء هذا أقوام يقرؤون القرآن لا يجاوز حناجرهم يمرقون من الدين"ـ وفي رواية
:"من الإسلام ـ كما يمرق السهم من الرمية يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه
مع صيامهم وقراءته مع قراءتهم أينما لقيتموهم فاقتلوهم فإن في قتلهم أجراً عند
الله لمن قتلهم يوم القيامة"().
ثم إن
أهل المعاصي ذنوبهم : فعل بعض ما نهوا عنه من سرقة أو زنا أو شرب خمر أو أكل مال
بالباطل
وأهل
البدع ذنوبهم ترك ما أمروا به من اتباع السنة وجماعة المؤمنين"().
ومجموع
الأدلة من الآيات القرآنيـة والأحـاديث النبويـة والآثار السلفيـة أفادت "التحذير
من مذاهب الخوارج ما فيه بلاغ لمن عصمه الله تعالى عن مذاهب الخوارج ولم يرَ رأيهم
، وصبر على جور الأئمة وحيف الأمراء ولم يخرج عليهم بسيفه وسأل الله تعالى كشف
الظلم عنه وعن المسلمين ودعا للولاة بالصلاح وإن أمروه بطاعتهم فأمكنته طاعتهم
أطاعهم وإن لم يمكنه اعتذر إليهم وإن أمروه بمعصية لم يطعهم فمن كان هذا وصفه كان على الصراط المستقيم إن
شاء الله"().
والمعاصي دون الشرك تحت المشيئة فقد
يغفرها الله !
وقد يكون له أعمال صالحة كثيرة
قال الزبرقان: كنت عند أبي وائل فجعلت
أسب الحجاج وأذكر مساويه .
فقال :"لا تسبه. وما يدريك لعله قال
: اللهم اغفر لي فغفر له"().
وعن
المسور بن مخرمة t أنه قدم وافداً على
معاوية بن أبي سفيان t فقضى حاجته ثم دعاه
فاخلاه .
فقال
معاوية t : يا مسور ما فعل طعنك
على الأئمة ؟
فقال
المسور t : دعنا من هذا . وأحسن
فيما قدمنا له .
فقال
معاوية t : لا والله لتكلمن بذات
نفسك والذي تعيب علي .
فقال
المسور t : فلم أترك شيئاً أعيبه
عليه إلا بينته له .
فقال
معاوية t : لا بريء من الذنب ،
فهل تعد يا مسور مالي من الإصلاح في أمر العامة ، فان الحسنة بعشر أمثالها . أم
تعد الذنوب وتترك الحسنات ؟
فقال
المسور t: لا والله ما نذكر إلا
ما ترى من هذه الذنوب.
فقال
معاوية t: فإنا نعترف لله بكل ذنب
أذنبناه ، فهل لك يا مسور ذنوب في خاصتك تخشى أن تهلكك إن لم يغفرها الله ؟
فقال
مسور t : نعم !
فقال
معاوية t : فما يجعلك أحق أن ترجو
المغفرة مني ؟فوالله لما أَلِي من الإصلاح أكثر مما تلي ولكن والله لا أخير بين أمرين بين الله وبين
غيره إلا اخترت الله تعالى على ما سواه . وإنا على دين يقبل الله فيه العمل ويجزي
فيه بالحسنات ويجزي فيه بالذنوب إلا أن يعفو عمن يشاء فأنا احتسب كل حسنة عملتها
بأضعافها . وأوازي أموراً عظاماً لا أحصيها ولا تحصيها .
من
عمل لله في إقامة صلوات المسلمين والجهاد في سبيل الله عز وجل والحكم بما أنزل
الله تعالى والأمور التي لست تحصيها وإن عددتها لك فتفكر في ذلك .
فقال
المسور t : فعرفت أن معاوية قد
خصمني حين ذكر لي ما ذكر .
فلم يسمع المسور بعد ذلك يذكر معاوية إلا استغفر
له"().
وقال
السعدي :"حقوق الملوك الصالحين لا تعد ولا تحصى فهم وإن كانت لهم سيئات كثيرة
فإن لهم حسنات أكثر من غيرهم من الرعية"().
وأخشى
أن يكون هذا القائل بمنعه الدعاء لولي الأمر بـ"حفظه الله" متمنيًا موت
ولي الأمر داخلًا فيمن يدعو على ولي الأمر بالسوء وهذه علامة أهل البدع، فمن
علامات أهل السنة الدعاء لولي الأمر بالخير والصلاح والتوفيق ومن علامات أهل البدع
الدعاء على ولي الأمر .
قال البربهاري
:"إذا رأيت الرجل يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب هوى.وإذا رأيت الرجل يدعو
للسلطان بالصلاح فاعلم أنه صاحب سنة إن شاء الله"().
ومن يمتنع
عن الدعاء لولي الأمر بالخير ومنه أن يحفظه الله فقد خطأ قال العلامة ابن باز فيمن
يمتنع عن الدعاء لولي الأمر :"هذا من جهله وعدم بصيرته الدعاء لولي الأمر من
أعظم القربات ومن أفضل الطاعات ومن النصيحة لله ولعباده .
والنبي
r لما قيل له إِنَّ
دَوْسًا عَصَتْ ! قال : اللَّهُمَّ اهْدِ دَوْسًا وَأْتِ بِهِمْ"().
يدعو
للناس والسلطان أولى مَنْ يُدْعَى له ؛ لأن صلاحه صلاح للأمة فالدعاء له من أهم
الدعاء "().
وبهذا
يظهر أن الدعاء على ولي الأمر وسبه أمر محرم مخالف لما كان عليه الصحابة رضي الله
عنهم يفضي إلى عدم طاعتهم وإيغار صدر العامة عليهم والطعن في ولي الأمر خطيئة
كبيرة وجريمة شنيعة نهى عنها الشرع المطهر وذم فاعلها وهي نواة الخروج على ولاة
الأمر الذي هو أصل فساد الدين والدنيا معاً وقد علم أن الوسائل لها أحكام المقاصد
فكل نص في تحريم الخروج وذم أهله دليل على تحريم السب وذم فاعله().
قال
أنس بن مالك t :"نهانا
كبراؤنا من أصحاب رسول الله r قالوا :" لا تسبوا أمراءكم ولا تغشوهم ولا
تبغضوهم واتقوا الله واصبروا فإن الأمر قريب"() .
وقال
السعدي :"على الناس أن يغضوا عن مساويهم ولا يشتغلوا بسبهم بل يسألون الله
لهم التوفيق فإن سب الملوك والأمراء فيه شر كبير وضرر عام وخاص وربما تجد السَّاب
لهم لم تحدثه نفسه بنصيحتهم يوماً من الأيام وهذا عنوان الغش للراعي والرعية"().
وتنقص
ولي الأمر وسبه ليس علاجاً قال الشيخ ابن باز :"سب الأمراء على المنابر ليس
من العلاج ، العلاج الدعاء لهم بالهداية والتوفيق وصلاح النية والعمل وصلاح
البطانة هذا هو العلاج ؛ لأن سبهم لا يزيدهم إلا شراً، لا يزيدهم خيراً، سبهم ليس
من المصلحة، ليس من الإسلام"().
() أخرجه
مسلم في الصحيح (2/48رقم55) .